المال العام في تاريخ المغرب: أوجه التدبير وسؤال المراقبة، موضوع الأيام الوطنية الخامسة والعشرين للجمعية المغربية للبحث التاريخي


 ورقة الأيام الوطنية الخامسة والعشرون للجمعية المغربية للبحث التاريخي


   منذ أن حصل المغرب على استقلاله، حرصت الدولة على مباشرة مجموعة من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية، رامت من خلالها معالجة مختلف الاختلالات التي شابت تدبير المال العام وحمايته، مدفوعة في ذلك إما برغبة داخلية في الإصلاح والتقويم، أو بتوجيه من بعض المؤسسات الدولية، أو نتيجة ضغط من المجتمع ومكوناته الفاعلة. وقد كان آخرها الإصلاحات الدستورية التي استهدفت تحقيق مزيد من التمييز بين مختلف الاختصاصات، وتعزيز أجهزة وآليات مراقبة مالية الدولة وممتلكاتها، وفي مقدمتها المجلس الأعلى للحسابات.
   يجد السؤال عن تدبير المال العام، وأوجه الاختلال الذي مسته أحيانا، جذوره في أعماق التاريخ؛ ولذلك ارتأت الجمعية المغربية للبحث التاريخي، انسجاما مع أهدافها العامة وفي مقدمتها الحرص على تفاعل المؤرخ مع قضايا عصره، أن تسائل في أيامها الوطنية الخامسة والعشرين مسألة تدبير المال العام في تاريخ المغرب، ومظاهر الخلل في إنفاقه، واستكشاف تجارب في حمايته أو ترشيد صرفه، أو بعض أشكال النصح والتوجيه التي رامت التغيير والإصلاح بما يخدم الدولة والمصلحة العامة.
   ارتبط تطور مفهوم المال العام في تاريخ المغرب، بتطور مفهوم الدولة وطبيعة وظائفها. وقد حظي المال العام بمكانة مركزية في اهتمام الدول المتعاقبة باعتباره الوسيلة الأقوى والأهم للاستجابة لمختلف متطلباتها. وبالموازاة مع تطور هذا المفهوم، تبلور مفهوم آخر أضحى صنوا له، ويتعلق الأمر بـ”المنفعة العامة” باعتبارها المدخل الأساس لإضفاء الشرعية على إمكانيات وأشكال التصرف في هذا المال وسبل إنفاقه من قبل مدبريه. وما يزال هــذا المفهوم المتطور والواسع يثير مجموعة من القضايا والإشكاليات التدبيرية، المرتبطة أساسا بدور الدولة ومؤسساتها في حمايته من مختلف أشكال الهدر والتبذير والاختلاس وسوء الاستغلال.
   وإجمالا، يمكن التمييز بين ثلاث مراحل كبرى تبلور خلالها المفهوم المتجدد والمتطور للمال العام، وأولها مرحلة الدولة التقليدية التي استمدت بعض قواعدها من الموروث المحلي في مجال التدبير وفي مقدمتها الأعراف القبلية، ومعظمها من التراث الإسلامي الذي استحضر بعض التقاليد الساسانية واليونانية، ومرحلة الدولة الحديثة المصاحبة لمرحلة الحماية الفرنسية التي نقلت النموذج الإداري الفرنسي إلى المغرب، ثم مرحلة المغربة التي بدأت مع استقلال المغرب. وعلى امتداد هذه المراحل، وبغض النظر عن الاختلافات الجوهرية بينها، يمكن القول إن تدبير المال العام شابته مجموعة من التراكمات السلبية المعبرة عن عدم التمكن من ضبطه وحمايته وتوجيهه خدمة للمصلحة العامة، وترسيم العلاقة بين ثلاثة أقطاب رئيسة، أولها السلطة السياسية، وثانيها المال العام، وثالها الملكية الخاصة.
   إن السؤال عن تاريخ تدبير المال العام بالمغرب قبل الاستعمار، وخلال مرحلة الحماية، وإبان التاريخ الراهن هو سؤال أيضا عن الانعكاسات الاقتصادية لأوجه الاختلال الذي بصمته في كثير من محطات هذا التاريخ، والتي أفضت إلى ما عبرت عنه العديد من الدراسات بعدم حصول تراكم مالي عبر تاريخ المغرب مما حال دون تحقيق طفرة واضحة في تطور البلد، لاسيما أن الثروات ظلت مركزة في يد الحكام، ومن يدور في فلكهم ويخدم “مشروعهم” السياسي، حتى إنه كان يصعب، في فترات عدة من تاريخ المغرب، التمييز بين “أموال الحكام” و”المال العام”. ويبدو أن هذا الوضع ظل بنيويا في تاريخ المغرب إلى أن أقرت إدارة الحماية “إصلاحات” مالية فصلت بين المالين، وإن تم هذا ’’الإصلاح‘‘ بخلفية التحكم في ثروات البلاد، ومالية الدولة. ولا بأس في هذا السياق من وضع خلاصات بعض الباحثين موضع الدراسة والتحليل، تأكيدا أو توضيحا أو تفنيدا، ومنها على سبيل المثال قول عبد الله العروي بأن المخزن كان في كثير من محطات تاريخه ’’أداة للاحتلاب، ولم يكن يصرف الثروة فيما ينبغي أن تصرف فيه‘‘.
   يقتضي الخوض في موضوع تدبير المال العام في تاريخ المغرب الانطلاق من الجهاز المفهومي المرتبط بهذا الموضوع، اعتبارا لأهمية المفاهيم في فهم القضايا والوقائع المرتبطة بها، من قبيل ’’بيت المال‘‘، و”الخزينة‘‘، و”الإنفاق العام‘‘، و”الدخل‘‘، و”الخرج‘‘، و”المصرف‘‘، و”الحق المعلوم‘‘، و”العطاء‘‘، و”الأرزاق‘‘، و”الأجور‘‘… ومن الملائم أيضا، البحث في الصيغ التشريعية والسياسية والاقتصادية المستخدمة في التعبير عن هذه القضايا، من قبيل “تدبير الأموال”، و”منفعة المال‘‘، و”تدبير كفايته‘‘، و”إصابة التدبير‘‘، و”سوء التدبير‘‘، و”فساد التقدير‘‘، و”استغراق الذمة‘‘، و”التتريك‘‘، و”خيانة الأمانة‘‘، و”حفظ الدخل‘‘، و”ضبط الخرج‘‘، و”ضبط الكفاية‘‘، ثم “الدومين العام‘‘، و”الدومين الخاص‘‘، و”المالية‘‘، و”الموازنة‘‘، و”السياسة الماليةإإ، و”الميزانية‘‘… وغيرها مما يمكن التقاطه من مختلف الأدبيات والأجناس المصدرية المتوفرة، المحلية منها والأجنبية.
   ومن المجدي في هذا المجال، البحث في تاريخ تدبير المال العام، وتسليط مزيد من الضوء على المجالات التي كانت تصرف فيها الأموال العامة، وعلاقة ذلك بمسار تطور الدول من النشأة إلى الأفول. وكذا البحث في طبيعة “المؤسسات‘‘ المكلفة بتدبير هذا المال وإنفاقه؛ من مثيل ’’السلطان‘‘ و”الوزير المفوض‘‘ و”العامل‘‘ و”الخازن‘‘ و”الأمناء‘‘ وغيرها. وسيكون من المفيد التقاط ما يمكن من المعطيات عن أوجه الصرف والإنفاق والتدبير، وعن مظاهر الخلل، الظرفية منها والبنيوية، التي مست تدبير المال العام، وتقديم نماذج لأشكال الاختلاس أو سوء التدبير التي سجلتها المصادر والوثائق المتوفرة. وكذا السؤال عن أساليب المعالجة، وأنواع العقوبات التي نفذت في حق المخالفين، ومدى قدرتها على الردع والحد من تلك الممارسات. وفي السياق نفسه، سيكون من المهم أيضا التساؤل عن طبيعة “المؤسسات‘‘ المراقبة لأوجه صرف هذا المال، وحجم الصلاحيات التي تمتعت بها، ثم التحولات التي عرفتها.
   بناء على ما تقدم، نقترح على الباحثين والمهتمين الإسهام بأوراق علمية في أحد المحاور الآتية:

المحور الأول: المال العام: مقاربات في المفهوم.

المحور الثاني: أوجه إنفاق المال العام وتدبيره بالمغرب عبر التاريخ.

المحور الثالث: مظاهر الخلل في صرف المال العام.

المحور الرابع: مؤسسات مراقبة المال العام وحمايته: البنيات والصلاحيات وأوجه التدخل.

المحور الخامس: المال العام في دعوات ورسائل النصح والتوجيه، ومذكرات الإصلاح.

– رزنامة الأيام الوطنية

– 31 يناير 2019: استقبال الملخصات مع ملء الاستمارة.

– 02 فبراير 2019: البث في الملخصات.

– 05 فبراير 2019: مراسلة أصحاب المساهمات المقبولة.

– 05 ماي 2019: تسلم النص الكامل.

المصدر: موقع الجمعية المغربية للبحث التاريخي

0 تعليقات