الفكر الأشعري المغربي بين كتابي ’’الإبانة‘‘ و’’اللمع‘‘ (المقدمة والتمهيد والفهرس)

العنوان: الفكر الأشعري المغربي بين كتابي ’’الإبانة‘‘ و’’اللمع‘‘

Moroccan Ash'ari teachingالمؤلف: محمد أحميمد.


الناشر: e-Kutub Ltd، انجلترنا.

الطبعة: الأولى.

السنة:   2018



مقـــدمة
   يعرف المغرب في السنوات الأخيرة مشروع ما يعرف بإصلاح الحقل الديني، على مستوى المناهج والمؤسسات، وقد ركزوا في هذا الإصلاح على تثبيت العقيدة الأشعرية والفقه المالكي وتصوف الجنيد، وأسموها بالثوابت الدينية المغربية، وقد أنشئ لهذا الغرض من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مؤسسات دينية تشرف على هذا المشروع، وخصصت ميزانيات كبيرة للأبحاث والدراسات العلمية الدينية، وتحقيق التراث الديني المغربي، وأوكلت هذه الأبحاث والدراسات إلى مراكز متخصصة ومتعددة حسب كل تخصص من التخصصات العلمية المراد البحث فيها، ومن هذه التخصصات العلمية العقيدة الأشعرية التي تم إخضاعها لمركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية التابع للرابطة المحمدية للعلماء، الموجود مقره بمدينة تطوان، والذي يهتم بالعقيدة الأشعرية والبحث في تراثها، وتحقيق مخطوطات ونصوص في العقيدة الأشعرية لعلماء المغرب، والقيام بدراسات حول علم الكلام المغربي.
   وفي الوقت الذي أثبتوا العقيدة الأشعرية؛ اختاروا أن تكون على منهج "كتاب الإبانة" لأبي الحسن الأشعري، وقد رأيت في كتابي هذا أن أتحدث عن الفكر العقدي الأشعري بالمغرب؛ لطبيعة الموضوع في السياق الفكري العام، الذي تم فيه التركيز على فكر "كتاب الإبانة" لأبي الحسن الأشعري، وأبين مدى خطورة هذا الكتاب على المجتمع المغربي.
   وسوف أبين كذلك من خلال كتابي هذا حقيقة الفكر الأشعري المغربي منذ دخول العقيدة الأشعرية إلى المغرب حتى اليوم، والمنهج الذي سار عليه المغاربة في تلقين العقيدة الأشعرية وتدريسها، ومدى صحة نسبة "كتاب الإبانة" إلى أبي الحسن الأشعري، وإذا كانت نسبة الكتاب صحيحة إليه؛ فهل هو آخر ما ألف الأشعري، أم أنه كتاب "اللمع"، وما موقع هذا الأخير من الفكر الأشعري المغربي.
   كما سأتناول بالنقد العلمي فكر "كتاب الإبانة"، الذي قد يكون مرجعا للمتطرفين في المستقبل، مما قد يحدث خطورة على المجتمع المغربي، هذا الكتاب الذي يمثل حالة شاذة في الفكر الأشعري المغربي منذ القدم، ويأتي هذا العمل (الفكر الأشعري المغربي بين كتابي "الإبانة" و"اللمع") كتنبيه للمغاربة - مسؤولين ومواطنين على مدى خطورة تبني فكر "كتاب الإبانة" لأبي الحسن الأشعري، خاصة مع قيام بعض المؤسسات والمراكز العلمية بتبني فكر هذا الكتاب وتصديره للمغاربة على أنه المرجع في الاعتقاد المغربي، وهو ما يمثل انحرافا فكريا و عقديا، والسير في وجهة غير صحيحة، قد تؤدي إلى الانحراف العقدي والسلوكي للمغاربة إذا ما اعتقدوا بهذا الفكر، وطبقوه في حياتهم العلمية والعملية
تطوان: 29 ذو القعدة 1439هـ

الموافق: 11 غشت 2018م

تمـهيد
   نلاحظ في هذه الحركة الفكرية الأشعرية في المغرب تبنيها فكر "كتاب الإبانة" ذي التوجه الحنبلي، المنسوب إلى أبي الحسن الأشعري، وهو كتاب ينطوي على فكر غال و متطرف، هذا الفكر الذي تخلص منه أبو الحسن الأشعري نفسه في آخر كتبه التي صنفها وخاصة "كتاب اللمع"، و"سيعلن انفصاله كذلك عن ذلك التوجه الحنبلي المفرط في التشبيه والموغل في رفض النظر، وذلك في رسالته المتعلقة باستحسان الخوض في علم الكلام"" [1] وهذا الفكر الأشعري الأخير المضمن في "كتاب اللمع"؛ هو الذي انتهجه تلاميذ وأتباع أبي الحسن الأشعري من بعده وقاموا بتطويره، وهو الفكر الذي دخل إلى المغرب وتبناه المغاربة وتعبدوا به، وكتبهم المصنفة في العقيدة شاهدة على ذلك، لكن المسؤولين عن البحث العقدي في هذا المركز (أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية التابع للرابطة المحمدية للعلماء، يريدون إعادة المغاربة إلى فكر "كتاب الإبانة" المفرط في التطرف، والموغل في الانغلاق، الذي لا يصلح للمجتمع المغربي ولا لغيره من المجتمعات الإسلامية؛ لما يحمله من تجسيم وتكفير ودعوة إلى سفك الدماء.
   لقد أبانوا أكثر عن هذا التوجه بإصدارهم "مجلة الإبانة"، وهي مجلة علمية سنوية تعنى بالدراسات العقدية والأبحاث الكلامية الأشعرية، وهي دعوة صريحة إلى تبني فكر "كتاب الإبانة" من قبل المسؤولين عن هذا المركز؛ اتباعا لرأي السلفية في أبي الحسن الأشعري، عندما يقولون إن الأشعري قد وصل إلى الحق على مراتب؛ فترك أولا مذهب المعتزلة إلى مذهبه العقلي فأصاب نصف الحق، ثم ترك أخيرا مذهبه العقلي إلى مذهب السلف فأصاب الحق كله ومات مرضيا عنه"،[2] وهم يقصدون بالحق الذي أصابه الأشعري هو الفكر الحنبلي الذي قرره في "كتاب الإبانة"، ورئيس مركز أبي الحسن الأشعري نفسه يقرر هذا الاتجاه؛ إذ يقول: "أن الأشعري... مال بصورة واضحة إلى الاتجاه السلفي في العقيدة، وأعلن انتماءه إلى مدرسة ابن حنبل واختار أن يموت على مذهبه، بدليل ما أعلنه في كتبه الأخيرة ككتاب "الإبانة"،[3] وهذا کلام بين من رئيس المركز المخول له البحث في العقيدة الأشعرية والإشراف على تحقيق تراثها؛ في أن المركز يتبنى فكر "كتاب الإبانة"؛ وأنه فكر حنبلي، ويقول بأن "المؤسس الحقيقي للاتجاه الأشعري ذي الخواص المعروفة والتوجه العقلي المشهور والمنهجية التأليفية الخاصة. فهو أبو بكر الباقلاني"،[4] و"أن الفكر الأشعري لم يعرف التطور المنهجي الحاسم والنوعي إلا على يد أبي المعالي الجويني"،[5] فهو هنا ينسف المذهب الأشعري نسفا بإحداث القطيعة بين أبي الحسن الأشعري وتلاميذه من بعده من جهة الأخذ والتلقي ومن جهة المنهج؛ عندما يقرر هذا الكلام، وليس الأمر كذلك، إذ أن الحلقات متصلة بين الأشعري وأتباعه من بعده من جهة الأخذ والتلقي ومن جهة المنهج أيضا، وهي تشكل نسقية واحدة، حيث "إن حلقات المذهب الأشعري متصلة من لدن أبي الحسن الأشعري (324) حتى الجويني (478هـ)؛ فإن أبا الحسن أخذ عنه طريقته الجيل الأول من تلاميذه؛ وأهمهم: أبو الحسن الطبري (1380)، وأبو الحسن الباهلي، وأبو عبد الله ابن مجاهد البصري، وتبعهم طبقة ثانية، أهم رجالاتها أبو بكر الباقلاني (403هـ)، وابن فورك (406هـ)، وأبو إسحاق الإسفراييني (418هـ)... ثم اتصلت بعد ذلك حلقات المذهب الأشعري بعد هؤلاء الثلاثة الأقطاب؛ فجاء في الطبقة التالية لهم أعلام كبار هم أئمة المذهب في طبقته الرابعة؛ كأبي منصور البغدادي (429هـ)، الآخذ عن الإسفراييني، والقشيري (465هـ)، الآخذ عن أبن فورك والإسفراييني، والبيهقي (458هـ)، الآخذ عن أبن فورك، وكان خاتمة هذه الطبقة إمام الحرمين أبو المعالي الجويني الآخذ عن أبي إسحاق الإسفراييني، وعن الجويني تفرع في المذهب الأشعري فرعان: أحدهما طريق أبي حامد الغزالي (505هـ)، ومن بعده القاضي أبو بكر ابن العربي (543هـ). والثاني طريق أبي القاسم الأنصاري، وعنه أخذ ضياء الدين الرازي والد الفخر وأبو الفتح الشهرستاني (548هـ)، وعن الضياء الرازي أخذ ولده الفخر الرازي أبو عبد الله ابن الخطيب (606)".[6]
   و"القارئ سوف يلمس أيضا بطلان الادعاء بوجود هوة سحيقة بين مذهب الأشعري ومذهب الأشاعرة، وسوف يجد أن الخلاف بينه وبين أتباعه لم يمس أية مسألة جوهرية في المذهب نفسه على حساب ما قرره وصوره، وإنما هو خلاف في طريقة الاستدلال، أو في تفسير بعض الأصول أو زيادة في الشرح، أو الاشتغال بمسائل لم تعرض للأشعري في أيام حياته"، [7] والإشكال الحاصل عند صاحب مركز أبي الحسن الأشعري هو بسبب اعتقاده أن كتاب الإبانة آخر ما ألفه الأشعري، وأنه مات على عقيدة الحنابلة، والنتيجة التي سيصل إليها حتما؛ هي أن ليست هناك صلة مطلقا بين منهج الحنابلة المقرر في "كتاب الإبانة"، ومنهج الأشاعرة المقرر في كتاب اللمع"، و"هو المنهج الوسطي الذي صار سمة للمشروع الأشعري وعنوانا للمنهج الذي عم الإنتاج الفكري للأستاذ المؤسس ولتلاميذه وأتباعه من بعده على السواء؛ هؤلاء الأتباع الذين صاروا على نفس نهج الأستاذ المؤسس وطوروا المذهب من بعده وأوصلوه إلى درجة من التناسق والانسجام الفكري".[8]
   إن تبني مركز أبي الحسن الأشعري لفكر "كتاب الإبانة" يمثل خطرا على عقيدة المغاربة وأمنهم الاجتماعي والفكري والروحي لما فيه من غلو وتطرف، و أتساءل هنا كما قد يتساءل كل من قرأ هذا الكتاب، ألا يقرأ المسأولون الكتب قبل تبني أفكارها في مؤسساتهم العلمية والدينية؟ وما هي المنافع العلمية والدينية والاجتماعية التي يمكن لمثل هذه الكتب أن تحققه للأمة المغربية المسلمة؟ وإذا كانت هذه المراكز والمؤسسات أنشئت قصد توجيه المغاربة إلى صالح معتقداتهم وأعمالهم؛ فكيف مر هذا الفكر المتطرف من أمام أعينهم ليبث عبر هذه المراكز والمؤسسات التي تهتم بشؤون عقيدة المغاربة؟
___________________________________________
[1] عبد المجيد الصغير، مجلة الإبانة، العدد الأول، رجب 1434هـ/ يونيو 2013م.
[2] مقدمة المحقق حمودة غرابة، کتاب اللمع لأبي الحسن الأشعري، مطبعة مصير، س ط:1955، ص:7.
[3] عثمان السلالجي ومذهبيته الأشعرية: جمال علال البختي، ص:8 3 المصدر نفسه، والصفحة نفسها، 4 المصدر نفسه، ص:9.
[4] المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
[5] المصدر نفسه، ص.9.
[6] الغنية في الكلام، أبو القاسم سلمان بن ناصر الأنصاري النيسابوري، تحقيق مصطفي حسين عبد الهادي، دار السلام، القاهرة، 1431ه/2016م، ج:1 ، ص: 74 -75.
[7] مقدمة المحقق حمودة عرابه، كتاب اللمع لأبي الحسن الأشعري، ص: 5-6.
[8] عبد المجيد الصغير، مجلة الإبانة، العدد الأول، رجب 1434هـ/ يونيو 2013م.

0 تعليقات