إصدار جديد للأستاذ خالد طحطح، العلماء وضريبة الترتيب

العنوان: العلماء والترتيب مع دراسة وتخريج

المؤلف: خالد طحطح

الناشر: منشورات الزمان، سلسلة شرفات 100.

السنة: 2018

الصفحات: 255 صفحة


كلمة الغلاف:
  لكَيْ تُصْبِحَ الإصلاحات الجديدة مقبولة عليها المُرور مِنْ عَبَاءَةِ الفقهاء؛ فهؤلاء يُعْهَدُ إليهم إصدار الحُكم بعد قياس الأمور بِمِنْظَارِ الشَّرع. وبالرَّغم من ارتباط وضْعِيَّةِ العُلماء المادِّيَّة، قبل الاستعمار، بالسُّلطان، فإنه يَحْصُلُ أحْياناً وُقوعُ صِدامٍ بَيْنَهُمَا كُلَّمَا تعلَّق الأمْرُ بِمَا يراه العُلَماءُ تغيِّيرا للأحكام التي توجد فيها نصوص قطعيَّة؛ فواجبهم آنذاك يَفْرِضُ عليهم مُناهضة السُّلطة دون الطَّعن في شرعِيَّتها، وهو الأمر الذي نَلْمَسُهُ لدى غالبية العلماء مِمَّنْ تبرَّموا من ضريبة التّرتيب، باعتبارها غير شرعيَّة في شِقِّهَا المتعلِّق بمكوس الأبواب.
  إنَّ الإلْتِبَاكَ الذي وقع بين المكوس والمعونة ساهم في خلق حَالة اللَّدَدِ بِشَأْنِهَا كُلَّما لجأت الدَّولة إلى إبْرَامِ توظيفات جديدة. وقد حظيت هذه المسألة بِجُمْلَةٍ مِنَ الكتابات المُؤيِّدة والمُعارضة؛ وَبِقَدْرِ ما نتوفَّر على إجابات مُسْتَفيضة بِشَأنِهَا على إثر استفتاء السُّلطان مُحمَّد الرَّابع العُلماء لِدَفْعِ غَرَامَةِ الصُّلْحِ مع الإسبان سنة1860م، نصْطَدِمُ بِصَمْتٍ لافتٍ لِلنَّظرِ مِنْ قِبَلِ الذين اسْتَفْتَاهُمُ السُّلطان المولى الحسن بِخُصوصِ المَعونة سنة1881م، بالرَّغم من رَبْطِها بِعَمَلِيَّةِ إسْتِتْمَامِ إصْلاحٍ الجَيْش.
  ربط علي السّوسي الضَّرائب التي سمَّاها معونة بالمصلحة العامَّة، بل إن كتابه عناية الإستعانة في حكم التَّوظيف والمعونة يتضمَّن بذرة "علمنة" الضَّرائب، فقد أحال إلى ما يفعله ملوك الكفر؛ إذ أنْبَأَ أنَّهم عن آخرهم على التَّوظيف. وهذه الإشارة تُبْرِزُ انفتاحه على مرجِعِيَّةِ مُختلفة في الوظائف، والتي ليست شرعِيَّة بالتَّأكيد وإنَّما وضعيَّة. وعِلَّةُ ارْتِكَاِنِه إلى واقع الضَّرائب في الدُّول الأوربية إنَّما العَمْدُ منه ربط الوظائف، بِغَضِّ النَّظر عن مسمَّياتِها، بتحقيق المصالح العامَّة للدُّول، وضمان استمرارية مؤسَّساتِها. وكأنَّه يُريد التَّأكيد بذلك على أنَّ الوظائف تُعتبر إحدى أهم الأدوات الفعَّالة التي أدَّت إلى تفوُّق الأوربيِّين ومُهُورِهِمْ، لذلك وجب الاقتداء بهم؛ فلم يَجِدْ بُدّاً من حثِّ السُّلطان على التمسُّك بِهَا وبالتَّرتيب المُزْمَعِ تطبيقه.
  يحمل هذا الموقف الجريء في القرن 19م إرهاصات التَّأصيل للضَّرائب المدنِيَّة في بلد كان كُلُّ شيء فيه مبنيّ على الشَّريعة، فمعركة التَّرتيب التي خاضها علي السوسي في مواجهة عُلماء عصرهِ أثارت أزمات عميقة في بنية المجتمع المغربي؛ فالعقليات كانت تتطوَّرُ ببطء شديدٍ حُيال المتطلَّبات الجديدة للدَّولة. ومع إقرار الحماية تحرَّرت الدَّولة المخزنية، في النِّهاية، من قيود العلماء في مجال الضَّرائب، وبدأت هيمنة الدِّين تتراجع في المجال التَّشريعي والجِبائي، حيث أضحتْ الضَّرائب أكثر دنيوية، إذ لم يَعُدِ التَّرتيب وباقي المكوس محَلَّ استنكار، حيث آضَ يُنْظَرُ إليها باعتبارها تَرُومُ تحقيق منفعة العموم. وفي ضوء هذه المواقف الجديدة لم تَعُدْ الضَّرائب الحديثة تتعارض مع الدِّين، على الأقل ظاهرِيّا؛ فقد تعايشت جنبا إلى جنب مع الزَّكاة، ولم يُلْغِ أحدُهُما الآخر.
  إن نجاح إقرار التَّرتيب من قِبَل سلطات الحِمَاية يُوضِّح لنا حجم التَّغيير الذي وقع على مُستوى الهياكل والذِّهنيات؛ فما كان مرفوضا في السَّابق من الفقهاء والعامَّة بدعوى مُخالفة الشَّرع أصْبَحَ يُحتجُّ به من قِبَل الحركة الوطنِيَّة والعَامّة بدعوى الإجحاف والميز في التَّطبيق بين المغاربة والمُعَمِّرين وليس لأنه مُخالف لنظام الزَّكاة والأعشار. فهل يمكن القول أنَّ عملية تغيير في الذِّهنيات قد تحقَّقت فعلا في الميدان الجبائي على يد الفرنسيِّين، ونقلتنا بالتَّالي من نظام ضرائبي شرعيّ إلى نظام ضرائبي وضعيّ. 

المصدر: صفحة المؤلف على الفيسبوك
0 تعليقات